
نموذج السائق، الملاحظ، والكابح أو الفرامل في بنية العلاج بالتقبل والالتزام.
منذ 3 أسابيع
بقلم : دانيل فارمر ترجمة وتنسيق مدير التحرير البروفيسور محمد السعيد أبو حلاوة
الآكت ACT كتعبير اصطلاحي معتمد للتدريب/العلاج القائم على التقبل والالتزام Acceptance Commitment Training/Therapy واحدًا من أهم العلاجات السلوكية القائمة على اليقظة الذهنية mindfulness-based behaviour therapies. ولا يحاول أنصار العلاج بالآكت إزالة الألم بسبب إذا أحببنا ذلك أو لم نحب "الألم" و "المعاناة" جزءً لا يتجزأ من حياة كل إنسان في الوجود البشري.
ويعد مفهوم "المرونة النفسية Psychological Flexibility" المفهوم المركزي والجوهري والأساس في قلب العلاج بالآكت؛ وعلى ذلك يمكن أن يقال أن الهدف الرئيس للعلاج بالتقبل والالتزام في تحليله النهائي تحقيق ارتفاع في مستوى المرونة النفسية لدى الأشخاص. ولكن ماذا نعني بذلك؟.
يٌعْنىَّ بالمرونة النفسية "رغم تسليم واعتراف الشخص بأنه لديه أفكار ومشاعر صعبة وغير مرغوبة، إلا أن هذا التسليم والاعتراف لا يحول بينه وبين الاندماج في الحياة والترحيب بها وأداء الأشياء والمهام التي تجعل حياته هادفة مثمرة وذات معنى".
ومن ثم تعد "المرونة النفسية" بهذا المعنى النقيض النفسي لما يعرف "بالجمود النفسي Psychological Rigidity Or Inflexibility"، ويٌعْنىًّ بالسلوك أو التصرف بجمود نفسي التعامل مع المتاعب والمشاق والتحديات الحياتية بطريقة غير مفيدة تتمثل أساسًا في "تجنب مثل هذه المتاعب والمشاق" وربما "تجاهلها وإنكارها" كأنها غير موجودة، والمعروف أن إدارة الظهر لمثل هذه المتاعب والمشاق والمعاناة الفعلية الواقعية الموجودة وتجنبها لا يؤدي إلا إلى تجذير المشاعر والآلام السلبية وزيادة المعاناة في تكويننا النفسي.
وجدير بالتنويه أن الإبحار في الحياة بذهنية "التجنب" كحل بسيط يتجاهل حقيقة أن الحياة بالغة التعقيد وحبلى دائمًا بعديد من مصادر وأحداث ووقائع إحداث الألم والمعاناة، من جانب آخر إذا كان هدفنا المركزي في الحياة "تجنب الألم" فلن نتمكن من تعلم طرائق جديدة للتعامل مع الحياة ولن يتحقق لنا أي ارتقاء أو ازدهار فيها.
من جانب آخر إذا تجاهلنا حقيقة أن "الأخطاء" جزء من التعلم، وأن الإخفاق غالبًا رفيق للإنسان في رحلته ومساره نحو النجاح، فإننا ننسى ما قد سندفعه من ضريبة باهظة ومؤلمة بسبب مثل هذا التجاهل، ببساطة شديدة الضريبة التي سندفعها عندما نؤمن ونبحر في الحياة بذهنية محاولات تجنب الألم هي "مزيدًا من الألم، مزيدًا من المعاناة، ومزيدًا من المشقة".
ورغم التسليم بأن "الألم" و "المعاناة" جزءً طبيعيًا من الحياة، فإن توجه أنصار العلاج بالآكت لتنمية وتحسين وتعزيز وتقوية المرونة النفسية من خلال طرائق تعليمية وفنيات تدخل قائمة على الدليل يترتب عليها انخفاض جوهري في المعاناة الانفعالية.
ذلك لأن أنصار العلاج بالآكت يركزون بصورة مباشرة على تعليمنا أن "هدفنا من الحياة أن نعيش حياة كاملة مثمرة هادفة ذات معنى"، وأن "الهدف من الحياة ليس تجنب الألم بل عيش الحياة والاندماج فيها والتعامل مع نطاق كل خبراتها الواسعة الإيجابية والسلبية".
ويمكن ببساطة شديدة تحديد بعض الملامح الأساسية المميزة للعلاج بالآكت مقارنة بصيغ العلاجات النفسية الأخرى فيما يلى:
1- يستهدف أنصار العلاج بالتقبل والالتزام تنمية وتقوية وتعزيز المرونة النفسية من خلال تعليمنا حزم من المهارات الجديدة التي يمكننا تطبيقها للتعامل مع الحياة بطرائق جديدة وفقًا لأدلة وتطبيقات وأوراق عمل واضحة ومباشرة وبفنيات عملية سهل استخدامها.
2- يستهدف أنصار العلاج القائم على التقبل والالتزام تعليمنا "الصمود النفسي" بدلالاته الواسعة التي تتجاوز مجرد التحمل والتعافي والنهوض إلى "الارتقاء بالرغم من الشدة أو المحنة"، مع التوجه لتعليمنا التخلص مما يسمونه حالة الشجار مع أفكارنا ومشاعرنا، بل التعامل معها على أنها حالات نفسية تأتي وتذهب وذات طابع عابر وليست حقائق أو وقائع ثابتة أو تعبير عن ذواتنا أو ماهيتنا.
3- يستهدف أنصار العلاج بالآكت مساعدتنا في تعلم استراتيجيات وإجراءات وطرائق تحديد ما نقدره في الحياة أي كل ما له قيمة وفائدة وأهمية لنا في الحياة؛ ومن ثم إرشادنا وتوجيهنا ودفعنا باتجاه المبادرة بأفعال سلوكية قائمة على ما يصطلح على تسميته بالفعل الملتزم.
4- يؤكد أنصار العلاج المرتكز على التقبل والالتزام على الأخذ بمنحى كلينيكي عابر للتشخيصات ومتجاوز للتسميات أو الوسم الكلينيكي وفقًا لقوائم تصنيف الاضطرابات، علاوة على الأخذ بما يسمونه "المنحى السياقي" للحياة، مع التوجه لتنمية السلوك الاجتماعي الإيجابي، الأمر الذي يجعل العلاج بالتقبل والالتزام صيغة علاجية مفيدة ويمكن استخدامها في عديد من البيئات أو السياقات التطبيقية: الإرشاد النفسي الفردي، الصحة النفسية والتدريب المؤسسي، بناء وتكوين فرق التدخل، صنع القرار، والتدريب التوجيهي أو الكوتشينج.
وتأسيسًا على ذلك وفي إطار الإعداد والتأهيل العلمي والمهني لاختصاصي العلاج بالتقبل والالتزام أشار دانيال بارمر Daniel Farmer في إطار البرامج التدريبية التخصصية التي يقدمها إلى أنّ "العلاج أو التدريب بالتقبل والالتزام" عملية يتوجه المدرب بموجبها إلى "تنمية" المرونة النفسية داخل الأفراد والجماعات، وبين أن المرونة النفسية وضعية تحرر الشخص وإبداعه على مستوى تفكيره وسلوكياته على نحو مناقض لدلالات الجمود النفسي الذي يعبر عنه بإبحار الأشخاص في الحياة بعقلية تفكير وسلوكيات جامدة غير وظيفية وغير تكيفية.
ويعني بالتصرف بطريقة جامدة إن أننا في كثير من الأحيان نحاول التعامل مع القضايا الصعبة بطريقة غير مفيدة على الإطلاق: عادةً عن طريق تجنبها! وربما عن طريق إنكارها والتماهي مع انفعالات وأفكار وسلوكيات تحد من فاعليتنا في الحياة.
وفي المقابل يؤكد أنصار العلاج (التدريب) بالتقبل والالتزام على أهمية تصرف الناس بطرائق تتماهي وتتسق وتتناغم مع قيمهم وأهدافهم في الحياة بما يعبر عن بجملة "الاندفاع الذاتي التلقائي نحو الأهداف المستنيرة بالقيم الشخصية أي كل ما له أهمية وقيمة في حياة الشخص، مع مع الاعتراف (ملاحظة) العقبات التي تعترض العمل سواء في العقل أو السلوك والتي قد تبقينا بعيدين عن قيمنا وأهدافنا (بعيدًا عما هو مهم).
وعلى ذلك فإن الجمود النفسي عادة ما يعد العامل الأساسي في تعثرنا في الحياة، وفقدان رؤيتنا بما هو نافع ومفيد ومفهم؛ وبالتالي صنعنا واتخاذنا لقرارات أقل قابلية للتنفيذ وأكثر احتمالاً لزيادة ولوجنا في دوامات مزيد من التعثر.
وتأسيسًا على ذلك يمكن القول أن "العلاج بالتقبل والالتزام"، وإن كان مسماه علاجًا بما يوحي بأننا نقارب المتاعب والاعتلالات من المنظور المرضي، إلا أن الأمر المتفق عليه أن أنصاره يؤكد على أنه يتأسس على مدخل تعليمي وتدريبي يستهدف تعليم الأشخاص مهارات حياتية بغض النظر عن ظروفهم بما يدفعهم من إقامة نوعًا من التوازن بين "التقبل"، ثم نظم ما يعرف باسم القيم الشخصية في الحياة والتي يتحدد في ضوئها كل ما هو مفيد ومهم في مجالات الحياة بالنسبة للشخص، ثم وضع الشخص لأهداف شخصية مرتكزة على هذه القيم، ومن ثم الاندفاع الذاتي التلقائي القائم على الالتزام بالتوجه نحو الأفعال التي تحقق هذه الأهداف.
في كثير من النواحي يمكن اعتبار العلاج النفسي بالتقبل والالتزام بمثابة تضفير تفاعلي لما يمكن تسميته مركب "اليقظة الذهنية × السلوك الموجه بالهدف المستنير بالقيم الشخصية Mindfulness with a Purpose"؛ حيث يركز فيه على تمكين الأشخاص من تعرف ورصد تحديد أفكارهم وانفعالاتهم ومشاعرهم وأنماطهم السلوكية والتعامل معها في ضوء ما يعرف بمصفوفة المرونة النفسية سداسية الأبعاد.
وعلى ذلك ينبغي التأكيد على النقاط التالية:
1- يستهدف العلاج بالتقبل والالتزام تنمية "المرونة النفسية" من خلال تعليم مهارات جديدة نستطيع تطبيقها في التعامل مع كل مجالات الحياة بطرائق جديدة.
2- يعمل أنصار العلاج بالتقبل والالتزام على تنمية قدرة الأشخاص على التقبل والتحمل والجلد والدأب أو الصمود النفسي من خلال تعليمهم التخلي عن "الاحتراب" مع أفكارهم ومشاعرهم، وبدلاً من ذلك "الاحتراب"، الولوج في مسارات "الاعتراف بها وتقبلها وتفهمها وعدم اعتبارها جزءً من بنية أو ماهيتهم" بل حالات متغيرة قابلة للتعديل.
3- ويعمل أنصار العلاج بالآكت على تمكين الأشخاص من تعرف ماذا؟ ومن له قيمة في الحياة أي كل ما هو مفيد نافع مهم وظيفي في الحياة ومن ثم توجيههم نحو الالتزام به ومحاولة تحقيقه بأفعال سلوكية قائمة على التعهد والالتزام الذات.
4- ترتكز افتراضات العلاج بالتقبل والالتزام على ما يعرف بالإطار المرجعي السياقي مع توجيه فهل الممارسة المهنية نحو تنمية السلوكيات الاجتماعية الإيجابية التي تعود بالنفع على الآخرين، الأمر الذي يجعل العلاج بالتقبل والالتزام مفيدًا في عديد من المواقف: الاستشارة الفردية، والصحة النفسية والتدريب المؤسسي، وبناء الفريق، واتخاذ القرار، والتدريب.
• للمزيد أبحر في الموقع التالي:
1- ACT Hub Wales Home page (2023). What is ACT?: Psychological Flexibility: https://www.act-hub-wales.co.uk/information/
2- Daniel farmer (2023). ACT/ProSocial Matrix. Chapter Consultants Ltd home page: https://www.chapterconsultancy.co.uk/
وتأسيسًا على هذا التصور كتب دانيل فارمر Daniel Farmer "الوقاية أفضل من العلاج: مقدمة للتدريب على العلاج بالتقبل والالتزام" سمعت فيما سبق وصفًا للعلاج بالتقبل والالتزام أو الآكت كأنه "اليقظة الذهنية عن قصد وهدف أو غرض Mindfulness with purpose".
ويتمثل الهدف الجوهري للعلاج بالتقبل والالتزام في تمكين الشخص من تحديد كل ما هو مهم وذا قيمة وفائدة للشخص، علاوة على تنمية وعيه بالمعرفة الصحيحة لتبصيره بما إذا كان يسير في المسار الصحيح في تحقيق كل ما هو مهم ومفيد وذا قيمة أم أنه انحرف عن هذا المسار، وتعليمه إدارة وقته بصورة إيجابية يتمكن بها من تصحيح مساراته في الحياة حتى وإن حاول عقله إبعاده عن هذا المسار؛ وذلك عبر وسائل واستراتيجيات "التقبل – الالتزام – التغيير اتساقًا مع قيمه الشخص وكل ما هو مهم ومفيد له".
وتأسيسًا على هذه التركيبة ثلاثية الأبعاد (التقبل + القيم المثمرة + الالتزام والفعل الملتزم" يتم مساعدة الشخص في تعلم وتنمية وتحسين وتعزيز وتقوية "المرونة النفسية" في مواجهة متاعب وتحديات ومنغصات الحياة اليومية، بما يفضي في التحليل النهائي إلى اكسابه مزيدًا من "الصمود" في مواجهة عثرات الحياة وأزماتها وظروفها العصيبة وأحداثها الضاغطة.
ويجدر التنبيه إلى أنه من المتفق عليه أن الوقاية أفضل دائمًا من العلاج، ورغم أنّ العلاج بالآكت يستخدم كوسيلة أو أداء في التدخلات العلاجية، إلا أن تعلم تطبيق العمليات المتضمنة في العلاج بالآكت يمكن أن يساعد في تقليل تأثيرات الأحداث الصادمة التي لا مفر منها طالما نحن على قيد الحياة.
ويجدر الإشارة إلى أن وضعت ثلاثة عناصر معًا في تركيبة واحدة للتوجيه × الوعي × التقبل / وفك الاندماج لتكوين نموذج نظري تطبيقي أطلقت عليه اسم "نموذج السائق، الملاحظ، والكابح أو الفرامل The Driver, Noticer and Braker model" كتشبيه استعاري لتمثيل كيفية إبحار الإنسان في حياته الشخصية في ضوء معرفة الوجهة والمسار × الالتزام بهذه الوجهة والمسار × إدراكه متى يعرف أنه خرج عن المسار ومن ثم استخدام الفرامل أو الكابح.
وفيما يلي وصف موجز لهذا النموذج:
أعد هذا النموذج دانيل فارمر Daniel Farmer انطلاقًا من إدخاله تعديلات على نموذج المرونة النفسية ثلاثي الأبعاد للعلاج بالآكت The ACT Tri-Flex والذي صاغه د. روس هاريس Dr Russ Harris، ومصفوفة العلاج بالآكت The ACT Matrix التي طرحها د. كفين بولك .
شكل (1) نموذج السائق، الملاحظ، والكابح أو الفرامل في العلاج بالآكت.
جدير بالتنبيه أن الهدف الأساسي للعلاج بالآكت في تحليله النهائية ترقية وتنمية المرونة النفسية Psychological Flexibility في التكوين النفسي للشخص وفقًا لفهم نوعي خاص مفاده أن "الجمود النفسي Psychological Rigidity Or Inflexibility " كما يعبر عنه بسجن الذات في الماضي بأحداثه وخبراته ووقائعه اجترارًا وأسى، وتمييع الذات في فضاء المستقبل تمنيًا ورغبًة، وفي نفس الوقت تجاهل الحاضر افتقاد تركيز الانتباه فيه استثمارً لإمكانياته أساس المعاناة والاضطراب النفسي خاصة مع تماهي الشخص مع أفكاره ومشاعره وانفعالاته واعتبارها المحدد الأساسي لماهيته وتعريفه لذاته دون تصور أن هذه الأفكار والمشاعر عابرًة متغيرًة.
وقوام المرونة النفسية التي يستهدف أنصار العلاج بالآكت تنميتها كتركيب نفسي ثلاثة أبعاد أساسية تتمثل في:
(1) التفكير القائم على المرونة flexible thinking وتعددية الرؤية والانفتاح العقلي والتركيز على الحاضر وفقًا لذهنية هنا والآن في مواجهة الشدائد والمآسي والعثرات والإخفاقات.
(2) إدراك أنه من المكن إنفاذ التفكير القائم على المرونة حتى وإن كان صوت عقولنا الداخلي يخبرنا بضرورة التصرف أو الفعل بطريقة معينة.
(3) الوعي بأننا نفعل وننفذ سلوكيًا ما اخترناه بإرادتنا ويمثل قيمنا وكل ما له فائدة وأهمية ذاتية لنا.
وفقًا لمركب تعبير "الآكت ACT" والتي تعني تقبل × اختر × بادر بالفعل؛ ومن ثم ورغم أنها تكوينات تبدو منفصلة إلا أنها تمثل عملية تفاعلية متتابعة تجعل من الشخص لا يندفع مباشرة في التغيير المباشر لتصوراته ورؤاه عن الموقف، التحدي والصعوبة، أو المعاناة التي يخبرها، بل التوجه لتغيير علاقاته بهذه الموقف وذاك الحدث الذي سبب معاناته، بما يعني التقبل والاعتراف بالمعاناة دون تجاهل أو رفض أو إنكار، ثم تحديد واختيار ما له قيمة وفائدة، ثم الاندفاع ذاتيًا إراديًا نحو تحقيقه بفعل ملتزم بالقيم.
وانطلاقًا من هذا التصور صاغ دانيل فارمر Daniel Farmer نموذج تطبيقي في العلاج بالآكت سماه "نموذج السائق، الملاحظ، والكابح في إطار تصوره أننا جميعًا رواد أو موجهو حياتنا الشخصية، وتتمثل المكونات الأساسية لهذا النموذج فيما يلي:
(1) عنصر السائق أو القائد The Driver element: ويعنى به أن يدنا دائمًا يفترض أن تكون على عجلة قيادة حياتنا في اتجاه ومسار محدد وفقًا لكل ما له قيمة وفائدة وربما يعرف ذلك بالسلوك الموجه الهدف.
(2) عنصر الملاحظ The Noticer element: وقوامها وعي الشخص برحلته في الحياة وما يجري داخل وخارج ذاته كمركبة أو سيارة.
(3) الكابح أو الفرامل The Braker element: ويعنى به قدرة الشخص على إدارة سيارة حياته ورحلته وإبطاء حركتها أو حتى إيقافها إذا أصبحت الأمور مخيفة وخطيرة.
تصميم (محمد السعيد أبو حلاوة، 2023)
شكل (2) نموذج السائق أو القائد × الملاحظ × الكابح في إطار العلاج بالآكت Farmer, 2023.
وفيما يلي تناول موجز لهذه المكونات:
أ- السائق أو القائد Driver: (الأيدي على عجلة القيادة، وتحديد اتجاه السفر ورحلة الحياة).
من أجل أن نتمكن من تحديد مسار الحياة التي نريد أن نكون عليها لابد وأن يكون لدينًا أولاً فكرًة وتصورًا واضحًا لوجهتنا ومصيرنا في الحياة. وحتى وإن تعذر علينا أن نصل إلى هذا المصير، علينا على الأقل أن نثابر ونناضل من أجل الاندفاع الواعي في هذا المسار، على سبيل المثال قد يصعب على الشخص أن يصل إلى نهاية ما يعرف بماهية الوالدية الجيدة والطيبة بصورة مطلقة وتامة، لكن قد يكفيه شرفًا بذل كل ما في وسعه والمثابرة والنضال من أجل تحقيق هذه الغاية.
وعلى ذلك فإن مجرد وعي الشخص بالرغبة في أن يكون والدًا طيبًا وجيدًا يسمح له بتحديد وجهته ومساره في الحياة في إطار ما يعرف بمعايير الوالدية الطيبة والجيدة ونظم الأهداف والأفعال خلال رحلة الوالدية.
ب- الملاحظ Noticer: (انظر حولك، وكن على وعي بما يدور حولك):
دون الخوض في التفاصيل خلصت نتائج عديد من الدراسات أن اتصال الشخص بانتظام وبعمق وبتفاعل مباشر مع خبراته الشخصية في اللحظة الراهنة يعزز شعوره بالسعادة ويقلل مشاعر القلق، ويتحقق ذلك من خلال اليقظة الذهنية التي تمنحنا فائدة كبيرة ومباشرة تتمثل في توسعة نطاق البدائل أمامنا ومن ثم تحقيق المكون الثاني من مكونات الآكت وهو "الاختيار، اختر".
فعندما نتصرف بدون عقل أو بدون وعي وباستخدام أنماط السلوك التقليدية الجامدة لا يكون أمامنا أي فرصة للاختيار، أما إذا توافر لنا الوعي فإننا نختار بعقلانية وجلاء ووضوح ومن ثم نحدد بدقة من/وما هو المهم لنا في الحياة وما يجب أن نقترب منه وما يجب أن نفر أو نبتعد عنه.
ويعبر عن هذا المكون باليقظة الذهنية كحالة معرفية من التركيز عن قصد وتعلم إدراك وتحديد كل ما هو ذا قيمة وكل ما هو مفيد ومثمر، وتنمية القدرة على الاختيار بوعي وبتدبر، ووصف د. روس هاريس Dr Russ Harris هذا التصور فيما يعرف بنموذج نقطة الاختيار The Choice Point model developed كما يتمثل في الشكل التالي.
شكل (3) نموذج نقطة الاختيار صياغة وتطوير د. روس هاريس.
على سبيل المثال عندما تطرأ علينا أفكارًا ومشاعر ونتعرض لمواقف صعبة وغير سارة أمامنا مسارين إما أن نغرق فيها ونتعلق بها بصورة تامة ونتجاوب معها بذهنية رد الفعل التقليدي، أو يمكننا التدبر والتفكير واختيار كيفية الاستجابة بطريقة مثمرة ومفيدة.
ويمكن توضيح ذلك في مسارين:
- الأول: إذا أصبحنا عالقين وغارقون ومسجونين في الأفكار والمشاعر Getting Hooked by thoughts and feelings فإن هذا الأمر يأخذنا بعيدًا عن كل ما هو مفيد ومهم.
- الثاني: عندما نتحرر من التعلق والانصهار في أفكارنا ومشاعرنا Getting Unhooked from thoughts and feelings فإن هذا الأمر يأخذنا باتجاه الاقتراب من كل ما هو مهم ومفيد.
ت- الكابح أو الفرامل Braker: (متى ومتى لا تطبق أو لا تستخدم الفرامل):
قد يضع تعلقنا بأفكارنا ومشاعرنا أو حتى تحررنا منها عقبات أمام رحلتنا في الحياة بصورة تحول دون أن نعيش بما يتسق مع ما هو مفهم ومفيد لنا، من جانب آخر إن تحديد ما نفكر فيه ليس سوى جزء من قصتنا في الحياة.
وإذا أخبرنا صوت عقلنا الداخلي بأن نتصرف بطريقة معينة من المرجح أن ننصت إليه، ببساطة لأنها عقولنا قبل وبعد كل شيء. ومع ذلك فإن المشكلة هي أن عقولنا تعمل على الحفاظ على سلامتنا كوحدات عضوية، إلا أن هذا التوجه يغلق أمام عديد من الفرص والتجارب في الحياة، لذلك فإن من بين أهم المقولات المأثورة عن ستيفن هايز مؤسس العلاج بالآكت "اخرج من عقلك أو تحرر من رأسك واندمج في الحياة".
لذلك فإن مهمة العقل وفقًا لهذه البرمجة هي كبح أنشطتنا في محاولة للحفاظ على سلامتنا، وقد يكون هذا الأمر مناسبًا في بعض المواقف وفي بعض الأحيان على سبيل المثال إذا كنا نشارك في سلوك متهور أو خطير؛ ومع ذلك وفي كثير من الأحيان قد يفضي ذلك إلى ترسيخ بعض الأفكار السلبية في التكوين النفسي للشخص مثل "ريح نفسك أنت لست جيدًا بما فيه الكفاية للقيام بهذا الفعل"، "كل محاولاتك تنتهي بالفشل ومن ثم لا داعي للقيام بها"، ويعد ذلك أحد أهم مصادر المشقة والمعاناة والخمول والتجنب.
وفي نهاية الأمر فإن المخرج من مثل هذه العقبات أن نؤسس وننمي ونقوي ونعزز القدرة على الصمود من خلال عمليات العلاج بالآكت Build resilience through ACT processes والتي تدور بصفة عامة حول دفع الشخص باتجاه:
أ- تعرف وتحديد كل ما هو مهم وذا قيمة وفائدة بالنسبة لنا.
ب- تنمية وتحسين الوعي بطريقتنا في التفكير.
ت- التخفيف من الكوابح والعقبات التي تعقينا وتعيدنا إلى الوراء.
وعلى ذلك قد نتمكن من التخارج من رؤوسنا والاندماج في الحياة والعيش فيها بفاعلية وتكوين فرصًا عديدة أكثر مما كنا نحلم به، مع زيادة قدراتنا على رؤية التحديات كفرص لتوسيع أفق الحياة أمامنا وإعادة مقاربة المواقف الصعبة كواقف يمكن التعلم منها والارتقاء بسببها.
: المصدر
1- Daniel Farmer (2023). Prevention is Better than Cure: An Introduction to ACT Training. ACT Hub Wales home page: https://www.act-hub-wales.co.uk/an-introduction-to-act/
2- ACT Hub Wales (2023). What is ACT? Psychological Flexibility: Driver Noticer and Braker ACT Model: https://www.act-hub-wales.co.uk/information/