"سيكولوجية اللاجئ: فهم التحديات وتعزيز الدعم النفسي والاجتماعي"
منذ 3 أشهر
بقلم : أمين عام الجامعة عبد الرزاق مصطفى
"سيكولوجية اللاجئ: فهم التحديات وتعزيز الدعم النفسي والاجتماعي"
هذه المقالة تهتم بدراسة التأثيرات النفسية والاجتماعية على الأفراد الذين يجدون أنفسهم في حالة لجوء أو نزوح. حيث أن العلوم النفسية في هذا المجال ساهمت في فهم تأثيرات تجربة اللجوء على الصحة النفسية والسلوكية للأفراد.
أولاً: تأثيرات تجربة اللجوء على الصحة النفسية
يؤثر اللجوء أو النزوح على الصحة النفسية للاجئ حيث هنالك تحديات نفسية قد يواجهها اللاجئون في بلاد اللجوء أو في مناطق النزوح، مثل الإجهاد النفسي، واضطرابات القلق، والاكتئاب، واضطرابات ما بعد الصدمة، فتجربة اللجوء قد تكون محطمة نفسيًا بالنسبة للأفراد، حيث يواجهون تحديات نفسية واجتماعية هائلة نتيجة لفقدانهم للوطن والتعرض لمواقف قاسية قد تشمل النزاعات المسلحة والحروب والاضطهاد والفقدان والتهجير القسري.
هذه التجارب قد تؤدي إلى تأثيرات سلبية على صحة اللاجئين النفسية والعاطفية، وقد تشمل ما يلي:
اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD): يعاني الكثير من اللاجئين من اضطرابات ما بعد الصدمة نتيجة تجربتهم لأحداث مروعة ومؤلمة. يمكن أن تظهر علامات PTSD مثل الفزع والخوف المستمر، وإعادة تجربة الأحداث المؤلمة من خلال ومضات أو أحلام مزعجة.
الاكتئاب والقلق: قد يواجه اللاجئون الاكتئاب والقلق بسبب تجربتهم الصعبة وضغوط الاندماج في بيئة جديدة وغير مألوفة. يمكن أن تكون اللغة والثقافة الجديدة عائقًا إضافيًا يؤثر على الصحة النفسية.
صعوبات التكيف الثقافي: قد تواجه اللاجئين تحديات في التكيف مع القيم والتقاليد والتصورات الجديدة المختلفة عن تلك التي نشأوا وتربوا فيها. هذا التوتر الثقافي قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية.
القلق بشأن المستقبل: يمكن أن يكون لللاجئين قلق حول مستقبلهم ومستقبل أفراد عائلاتهم، وخاصة فيما يتعلق بالاستقرار الجغرافي والاقتصادي والحصول على فرص عمل.
ثانياً: الهوية والانتماء لدى اللاجئين
تشكل هوية اللاجئ تحديًا كبيرًا في تجربته الجديدة
تجربة اللاجئين تتضمن تحديات نفسية تتعلق بتحديد هويتهم والاندماج في المجتمعات الجديدة. قد يواجه اللاجئون مشاكل في تعريف أنفسهم بسبب فقدان الروابط الاجتماعية والثقافية في بلدانهم الأصلية. قد يكون لديهم تجارب سابقة مؤلمة تؤثر على ثقتهم بالآخرين، وهذا يجعل من الصعب بناء علاقات جديدة في المجتمع الجديد.
الهوية الثقافية تلعب دورًا هامًا في تجربة الاندماج. يمكن أن تنشأ صراعات داخلية عندما يجد اللاجئون أنفسهم بين الحفاظ على هويتهم الثقافية والتعايش مع الثقافة الجديدة في المجتمع المضيف. هناك حاجة إلى الوصول إلى توازن يسمح للفرد بالاحتفاظ بأصوله وفي الوقت نفسه التكيف مع طبيعة الثقافة الجديدة.
ثالثاً: العلاقات الاجتماعية والدعم الاجتماعي
الدعم الاجتماعي يلعب دوراً بارزاً في صحة اللاجئين النفسية ورفاهيتهم العامة.
يشير الدعم الاجتماعي إلى الشبكات الاجتماعية والعلاقات الذي يمكن أن يستفيد منها الأفراد في الأوقات الصعبة. يمكن أن يكون هذا الدعم عائليًا أو صداقات أو انتماء إلى مجتمعات دينية أو ثقافية ولكن قد يواجه اللاجئون نقصًا
في الدعم الاجتماعي بسبب فقدانهم للروابط الاجتماعية في بلدانهم الأصلية أو بسبب التحديات في بناء علاقات جديدة في بلدان اللجوء. يؤثر هذا النقص في الدعم على القدرة على التعامل مع الضغوط النفسية والتأقلم مع التحولات الجديدة.
رابعاً: التحديات الاجتماعية والثقافية والتشتت الأسري
يواجه اللاجئون تحديات اجتماعية وثقافية تؤثر على تجربتهم في بلدان اللجوء. تشمل هذه التحديات فهم الثقافة المختلفة والتكيف مع التصورات والتقاليد الاجتماعية المختلفة.
يمكن أن تكون الفروق الثقافية عائقًا للتواصل الفعال مع المجتمع المضيف وللمشاركة في الأنشطة الاجتماعية. يمكن أن تؤدي التحديات الاجتماعية والثقافية إلى الشعور بالعزلة وعدم الانتماء لدى اللاجئين.
كما يعاني الكثير من اللاجئين من التشتت الأسري بسبب الانفصال عن أفراد الأسرة أثناء الهروب والنزوح. يمكن أن يكون فصل الأسرة عاملاً مؤثرًا على الصحة النفسية ويسبب الحزن والحنين لأفراد الأسرة الذين يسعون للوحدة وإعادة التواصل
خامساً: الشعور بالدونية في المجتمع المضيف ومشكلة التمييز الثقافي والعنصري
يعاني الكثير من اللاجئين من الشعور بالدونية وفقدان الثقة بالنفس في المجتمع المضيف. ينجم هذا الشعور عادة عن عدم الاندماج الاجتماعي واللغوي بشكل كامل، وصعوبة التكيف مع ثقافة جديدة وتقاليدها. يمكن أن يتسبب الشعور بالدونية في تقليل فرص اللاجئين للمشاركة الفعالة في المجتمع المضيف والاندماج بشكل أفضل.
كما يواجه اللاجئون التمييز الثقافي والعنصري في بلدان اللجوء، حيث يتعرضون لمواقف غير محببة من قبل بعض الأفراد أو المؤسسات بسبب أصولهم الثقافية أو العرقية. يمكن أن يؤدي هذا التمييز إلى الشعور بالعزلة وعدم الانتماء، وقد يؤثر على الصحة النفسية للاجئين بشكل سلبي.
سادساً: اضطرار اللاجئ لقبول أعمال ومهن متدنية لا تليق بمستواه التعليمي والتربوي:
قد يواجه اللاجئون صعوبة في العثور على فرص عمل مناسبة تلائم مؤهلاتهم ومستواهم التعليمي. يجد بعضهم أنفسهم مضطرين لقبول أعمال ووظائف متدنية لا تلبي توقعاتهم أو تطلعاتهم المهنية. يمكن أن يؤثر هذا الوضع على الرغبة في التحصيل المهني والشعور بالرضا الذاتي.
و يشعر بعض اللاجئين بالتهميش وعدم المساواة في قطاعات كثيرة مقابل استعلاء بعض المضيفين أو الجهات المحلية. يمكن أن تكون هذه التجارب مؤذية للصحة النفسية وتسبب الإحباط والغضب لدى اللاجئين الذين يسعون لإقامة حياة جديدة بعيداً عن التمييز والتهميش.
سابعاً: الشعور بعدم الأمان وعدم الاستقرار:
كما ذكرنا في المحور الأول تعتبر التهديدات للأمان وعدم الاستقرار من بين أهم التحديات التي يواجهها اللاجئون. يمكن أن تترك تجارب الحرب والنزوح جراحًا عميقة على الصحة النفسية، وتؤدي إلى الشعور بعدم الأمان والقلق المستمر بشأن المستقبل.
ثامناً - التوصيات المقترحة:
مع هذه التحديات، يتطلب دعم اللاجئين النفسي والاجتماعي جهودًا متعددة المستويات. يجب توفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي في بلدان اللجوء، وذلك عبر توفير الخدمات الاستشارية والعلاج النفسي اللازم للتعامل مع التحديات النفسية. كما يمكن للمنظمات الإنسانية والمجتمعات المحلية أن تلعب دورًا هامًا في تقديم الدعم الاجتماعي وتعزيز الاندماج الاجتماعي للاجئين.
تعزيز التواصل والتفاهم الثقافي مع المجتمعات المضيفة لتعزيز الاندماج الاجتماعي والتكامل بشكل أفضل. بالتعاون المشترك
من الجوانب المهمة في بحوث سيكولوجية اللاجئ هو فهم أفضل لكيفية تعزيز الدعم الاجتماعي وتحسين العلاقات الاجتماعية لدى اللاجئين.
قد تشمل الاستراتيجيات المحتملة تعزيز التواصل بين أفراد المجتمعات المضيفة واللاجئين، وتوفير برامج دعم نفسي واجتماعي، وتعزيز المشاركة في الأنشطة الاجتماعية المشتركة.
من المهم في هذا السياق مساعدة اللاجئين على تطوير المهارات الاجتماعية واللغوية اللازمة للتفاعل مع المجتمعات المحلية والانخراط في الأنشطة الاجتماعية. يمكن أن تلعب المنظمات الاجتماعية والتطوعية دورًا حيويًا في توفير الدعم وتعزيز الاندماج وتعزيز شعور الانتماء.
أخيراً: على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها اللاجئون، فإنهم يظهرون قوة وصمود في تجاوز التحديات وبناء حياة جديدة.
الدعم النفسي والاجتماعي الجيد والتآزر مع المجتمع المضيف يمكن أن يسهم بشكل كبير في مساعدتهم على التأقلم والنمو في بيئتهم الجديدة.
بقلم : عبد الرزاق مصطفى
أمين عام جامعة UHA