العلاج النفسي للصدمات النفسية: تعريفه، أسسه، فنياته، وصيغه

العلاج النفسي للصدمات النفسية: تعريفه، أسسه، فنياته، وصيغه

منذ 3 أشهر

بقلم : محمد السعيد أبو حلاوة

العلاج النفسي للصدمات النفسية: تعريفه، أسسه، فنياته، وصيغه

علاج الصدمة أو العلاج النفسي لذوي الصدمات النفسية صيغة من صيغ العلاج النفسي يركز فيها على تمكين ضحايا الصدمات النفسية أي كانت طبيعتها وأي كان مصدرها من التعامل مع الاستجابة الانفعالية التي تنتج عن الحدث الصادم. 

ويجدر الإشارة على نحو ما بين كيلي نيكول وركمان Kelly Workman اختصاصي علم النفس بالمركز الطبي بجامعة كولومبيا إلى أنّ أكثر من (50%) من الناس يتعرضون على الأقل لصدمة نفسية كبرى خلال حياتهم. ويمكن أن تتضمن الصدمة نطاقًا واسعًا من المواقف والأحداث تتراوح بين: التعرض للجروح والإصابات الخطيرة، التعرض للاعتداء الجنسية، والأحداث المهددة للحياة أو التي تمثل خطورة وشيكة على الحياة، إلى التعرض لسوء المعاملة والإهمال المزمن، التعرض للتنمر والمضايقة والإزعاج، والتشرد وعدم امتلاك مأوى أو مكان للسكن. 

ورغم التسليم بأنه ليس من المحتم أن يعاني كل ضحايا التعرض للصدمات من تداعيات نفسية سلبية طويلة الأجل، إلا أن ما هو متعارف عليه أن التعرض للصدمات النفسية خاصة المتكررة منها له تأثيرات سلبية عميقة على الأداء النفسي الوظيفي: جسمانيًا ومهنيًا ومعرفيًا وانفعاليًا. 

ثانيًا- أنماط علاج الصدمة: 

وتتعدد صيغ وأنماط علاج الصدمة، وعدد كيلي وركمان Kelly Workman  أبرزها في إطار علاج كرب ما بعد الصدمة post-traumatic stress disorder (PTSD) فيما يلي: 

  1. العلاج بالتعريض المطول Prolonged Exposure Therapy -PET : 

العلاج بالتعَرض المُطول صيغة علاجية قائمة على الدليل وثبت فاعلتيها في علاج أعراض كرب ما بعد الصدمة trauma and Post Traumatic Stress Disorder -PTSD، خاصة لدى من يعانون في نفس الوقت من اضطراب الشخصية الحِدية Borderline Personality Disorder – BPD . 

ويرتكز العلاج بالتعرض المطول على فكرة جوهرية مفادها أن "مواجهة الحدث الصادم" بدلاً من تجنبه تساعد في تفكيك بنية دائرة تخليق الانفعالات والذكريات السلبية المقترنة به، فضلاً عن إعادة وصف وتفسير ومعالجة الحدث الصادم بطريقة مغايرة ومن منظور مختلف يفضي مع تتالي هذه الممارسة إلى التخلص من تداعياته وتأثيراته السلبية.

ويكمن وراء العلاج القائم على التعريض المطول فكرة مركزية مفادها أن المزيد من القلق والغضب والتوتر والمشقة تنشأ عندما لا نتعامل مع الحدث الصادم، إلا أن تكرار التعرض له خلال الجلسات العلاجية عبر استحضار كافة الذكريات والأشياء والظروف المرتبطة بهذه الحدث وفي ضوء إعادة التعايش مع كل ما يذكر به والمشاعر والأفكار التي صاحبته ومواجهتها وإعادة النظر فيها برؤية مغايرة في بيئة علاجية خالية من التهديد والمخاطر أمرًا يخرج هذه الذكريات والمشاعر والأفكار من حيز الكمون في البنية النفسية إلى حيز الظهور، ومن ثم زيادة الوعي بها والتخلص من تأثيراتها. 

  1. العلاج القائم على المعالجة المعرفية Cognitive Processing Therapy 

أو العلاج المرتكز على المعالجة المعرفية، ويعرف أيضًا اختصارًا ب CPT صيغة نوعية في إطار العلاج المعرفي ـ السلوكي cognitive-behavioral treatment يستخدم لمساعدة الناس الذين يتشبثون بصورة شديدة فأفكارهم عن الصدمة أو الصدمات التي تعرضوا لها. 

ويعد العلاج المرتكز أو الموجه بالمعالجة المعرفية للحدث الصادم من أكثر العلاجات النفسية فاعلية في علاج ذوي اضطراب كرب ما بعد الصدمة post-traumatic stress disorder ، ويستغرق تطبيقه (12) جلسة علاجية. 

والعلاج القائم على المعالجة المعرفية صيغة علاجية نشأة وتطورت على يد د. باتريشيا ريسيك Dr. Patricia Resick، وغيرها من الاختصاصيين النفسية لعلاج أعراض كرب ما بعد الصدمة بين المتعرضات للاعتداء الجنسية سواء اغتصاب أو تحرش جنسي، رغم أنه يستخدم الآن على نطاق واسع في علاج ذوي اضطراب كرب ما بعد الصدمة بشكل عام. 

ويرتكز العلاج القائم على المعالجة المعرفية على فكرة مركزية مفادها أن "أعراض كرب ما بعد الصدمة ينشأ من الصراع بين اعتقادات الشخص عن الذات وعن العالم قبل التعرض للصدمة مثل اعتقاده على سبيل المثال أنه لن يحدث له شيء سيء وأن العالم مكان آمن هذا من جهة، وبين المعلومات التي تتكون لديه بعد تعرضه للصدمة post-trauma information مثل الحدث الصادم دليل على أن العالم مكان خطير وغير آمن. 

وتسمى مثل هذه النوعية من الصراعات ب "نقاط التعلق والتشبث"، ومن ثم يجب مواجهتها وتفكيك بينية وديناميات تكوينها من خلال فنيات معرفية معينة مثل فنية الكتابة عن الحدث الصادم. 

ويوفر العلاج المرتكز على المعالجة المعرفية شأنه شأن العلاج النفسي القائم على التعرض المطول للمرضى معلومات عن كرب ما الصدمة تساعدهم في مواجهة ذكرياتهم وأفكارهم المقيتة والبائسة أو غير السارة المرتبطة بالحدث الصادم. 

ويطلب من المريض في العلاج النفسي المرتكز على المعالجة المعرفية الكتابة بالتفصيل عن الحدث الصادم الذي تعرض له، ثم يتم تعليميه قراءة القصة بصورة مرتفع بصورة متكررة داخل وخارج الجلسات العلاجية. 

ويقوم المعالج بمساعدة العميل على تعرف واكتشاف وتحديد ومواجهة الأفكار والنقاط التي يتشبث بها والأخطاء في تفكيره، والتي قد تتضمن "أنا شخص سيء"، أو "أنا أكيد فعلت شيء ما أستحق من أجله ما حدث لي". ويركز المعالج على مساعدة العميل في مواجهة هذه الأخطاء وتفكيك روابط تعلقه وتشبثه بتصوراته ورؤاه والنقاط المشار إليها من خلال جمع أدلة وشواهد مضادة له أو مناقضة لها. 

والسؤال المطروح كيف يمارس العلاج القائم على "المعالجة المعرفية" تأثيراته في هذا السياق؟ وفقًا للجمعية الأمريكية لقسم شئون قدامى المحاربين، يتضمن العلاج المرتكز على "المعالجة المعرفية" أربعة أجزاء أساسية تتمثل فيما يلي: 

  1.  رصد العميل وتحديده لأعراض كرب ما بعد الصدمة من خلال تعليمه كل ما يمكنه من ذلك، ويمثل هذا الجزء الخطوة الأولى في مسار العلاج. 

  2. تمكين العميل من رصد وتحديد أفكاره ومشاعره من خلال تعليمه كل ما يمكنه من الوعي بما يفكر فيه وما يشعر به حول الصدمة أو الصدمات التي تعرض لها وكيف أنه في حالة من التشبث بأفكار ونقاط واعتقادات معينية تسبب له الأذى النفسي. 

  3. تعليم العميل مهارات جديدة يتمكن بموجبها من التشكيك والتساؤل والتحدي لأفكاره ومشاعره وتغيير وجهته في التفكير في الحدث أو الأحداث الصادمة. 

  4. تمكين العميل من تغير اعتقاداته من خلال تعليمه كل ما يدفعه باتجاه التصوير للأفكار والاعتقادات المضادة أو المناقضة لتصوراته ورؤاه عن الأحداث الصادمة ومن ثم تغيير موقفه من ذاته ومن العالم. 

وعادة ما يستغرق العلاج المرتكز على المعالجة المعرفية (12) جلسة علاجية مدة كل جلسة (60) دقيقة مرة أو مرتين كل أسبوع، إما في سياقات تطبيقية كلينيكية جماعية أو فردية. 

ويختلف العلاج المرتكز على المعالجة المعرفية عن العلاج القائم على التعريض المطول رغم القواسم المشتركة فيما بينهما في أن العلاج القائم على التعريض ورغم أنه يساعد الناس في مواجهة ذكرياتهم أو أفكارهم عن الحدث الصادم، إلا أنه لا يساعدهم في مواجهة وتغيير وتعديل أو تصويب أخطاء التفكير التي يمكن أن تكون لديهم.

وعلى ذلك فإن أنصار العلاج المرتكز على "المعالجة المعرفية" يركزون على تعليم العميل مقومات ومهارات مواجهة الأفكار والذكريات المزعجة والمخيفة التي ترتبط بالحدث الصادم، وفي نفس الوقت مساعدة العميل على الارتباط بالمعلومات التصويبية أو التصحيحية للأفكار غير التكيفية وغير الواقعة التي يمكن أن تفضي إلى أعراض كرب ما بعد الصدمة. 

  1. العلاج المعرفي ـ السلوكي المرتكز على الصدمة Trauma-focused cognitive behavior therapy (TF-CBT)

تشير الصدمة Trauma إلى ذلك الجرح النفسي أو الانفعالي psychiatric or emotional wound الذي يعاني منه الإنسان نتيجة تعرضه لحدث أو خبرات صادمة قاسية ومقيتة وغير متوقعة. وتتصف الجروح الانفعالية بأنها كامنة في التكوين النفسي لمن يعاني منها ولا يمكن رؤيتها بصورة عيانية كما هو حال الجروح الجسمانية، ومن ثم عملية التعافي منها عملية معقدة وربما مربكة وتستغرق وقتًا طويلاً. 

وقد يترتب على "الصدمة" أعراضًا مؤلمة مثل: الاكتئاب، القلق، التحفز والتوتر والارتباك، الصورة الاسترجاعية المؤلمة، والأفكار الاقتحامية المحزنة. وتتحدد صيغ وفنيات العلاج على نمط وشدة أعراض الصدمة التي تتبدى على الشخص أو يعاني منها الشخص. 

ولا ريب في أن الكتب العلمية المعتمدة والمعتبرة في المجال أدوات بالغة الأهمية في طريق التعافي؛ كونها تتضمن قصصًا إنسانية تتعلق بحالات تعرضت لصدمات حياتية وتوثق هذه الحالات وتسجل خبراتها وتلقى أضواءً على رحلة التعافي من تأثيراتها السلبية عبر عمليات وجلسات العلاج النفسي، ويطرح العلاج المعرفي ـــ السلوكي القائم على الصدمة أو الموجه نحو تفكيك بنية الاعتقادات والأفكار والانفعالات والمشاعر السلبية والسلوكيات المختلة وظيفيًا وغير التكيفية الناتجة عن الصدمة رؤى وتصورات وتقنيات قائمة على الدليل ويمكن بموجبها مساعدة الأطفال والمراهقين والراشدين على مجابهة الاعتقادات غير المنطقية وأنماط السلوكيات غير السوية؛ ومن ثم تفكيك بنية المشاعر والانفعالات السيئة أو السلبية. 

  1. العلاج القائم على إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين Eye movement desensitization and reprocessing (EMDR)

تشير نتائج الدراسات البحثية المعاصرة إلى أن العلاج النفسي القائم على الجمع بين فنيات إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العينين "إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة" Eye Movement Desensitization and Reprocessing (EMDR) واليقظة العقلية mindfulness الصيغة العلاجية الأكثر فاعلية في علاج اضطراب الضغوط التالية للصدمة post-traumatic stress. 

والعلاج القائم على إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين "إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة" علاجًا كلينيكيًا قائمًا على الدليل في علاج الصدمات النفسية وإزالة تأثيرات السلبية عن التعرض لها، وتستهدف هذه الصيغة العلاجية تقليل الأعراض النفسية السلبية التالية للصدمة والتي تتمثل أبرزها في حالة اليقظة المفرطة والتنبه الشديد hypervigilance والذكريات الاقتحامية intrusive memories، وبدأ تطبيق هذه الصيغة العلاجية أولاً على الجنود العائدون من الحروب، فضلاً على النساء ضحايا العنف الجنسي. 

وترتكز صيغة العلاج النفسي القائم على إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين "إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة" على ما يعرف ب "نموذج المعالجة التكيفية للمعلومات" Adaptive Information Processing (AIP) model، والذي يفترض أنصاره أن "عقولنا لديهم قدرة فطرية على معالجة أسي شيء يحدث بطريقة سوية و صحية"، وتحدث الاضطرابات أو المشكلات النفسية عندما تخفق في المعالجة المعرفية الصحيحة للخبرة الصادمة. 

وفي هذه الحالة، فإن الإدراكات الخاصة بالخبرة الصادمة يتم تخزينها في دماغك كما تم تدوينها مصحوبة بأفكار ومشاعر وصور مشوهة، وعلى ذلك يميل عديد من المعالجين النفسيين ذوي الاعتبار في المجال إلى الجمع والتوفيق بين صيغة العلاج النفسي القائم على إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين "إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة" والعلاج النفسي القائم على اليقظة العقلية mindfulness – based Therapy كما يتمثل في ممارسة اليقظة العقلية بأبعادها المختلفة، على اعتبار أن اليقظة العقلية حالة وجود نفسي مفعم بالانتباه القائم على الوعي بما يحدث هنا والآن دون توجه للتقييم أو إسقاط الأحكام، وعليه تمثل اليقظة العقلية في هذا السياق حالة الملاحظة الشعورية الواعية بما يحدث في عقلك دون أحكام أو تقييم، بما يتطلبه ذلك من: تقبل acceptance، شفقة compassion، وفضول أمين honest curiosity. 

وثبت إمبيريقيا فعالية الجمع بين فنيات العلاج النفسي القائم على إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين "إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة" والعلاج النفسي القائم على اليقظة العقلية في علاج الصدمات النفسية والأحداث الصادمة المحددة لكرب ما بعد الصدمة. 

ويرجع الفضل إلى فرانسين شابيرو Francine Shapiro الاختصاصية النفسية الأمريكية في صياغة وتطوير العلاج القائم على إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين "إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة"، والتي اجتهدت لتحويل العلاجات النفسية القائمة على حركة العين إلى أنموذج تكاملي لمعالجة المعلومات.

ويستخدم عديد من الأطباء اليوم فنيات العلاج القائم "إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة" التي صاغتها فرانسين شابيرو Francine Shapiro، ويتمثل الهدف العام للعلاج النفسي القائم على إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين في الامتداد إلى ما هو أكثر من مجرد تخفيف أعراض الصدمة، بالتركيز كذلك على استثارة الانفعالات الإيجابية وإحداث نوعًا من التغيير العميق في الاعتقادات الراسخة في التكوين النفسي للشخص لتمكين الشخص من تغيير سلوكياته. 

وفي الواقع، فإن العلاج النفسي القائم على إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين يتعامل مع "الصدمة النفسية" كاضطراب معالجة المعلومات information processing disorder على أساس أن "العقل يمتلك قدرة على شفاء ذاته، طالما لا يوجد شيء يقف في طريقه أو يعوقه عن ذلك"، قياسًا على الطريقة التي يشفي بها "جلد الإنسان" ذاته بصورة طبيعية في أقل من أسبوع طالما لا يوجد شظايا في الجروح. وفي هذه الحالة فإن الشظية التي قد تحول دون قدرة العقل على شفاء ذاته تتمثل في "الذاكرة المختلة وظيفيًا المخزنة في تكوينه، أي الذكريات السلبية الكامنة في بينة الدماغ والمرتبطة بالصدمة أو المحنة والشدة. 

وينظر إلى كرب ما بعد الصدمة وفقًا لصيغة العلاج النفسي القائم على إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين على أن "الطريقة التي يتم بها التخزين والمعالجة في الذاكرة هي المختلة وظيفيًا أو المرضية، وليس الحدث الصادم نفسه وليس محتوى هذه الذاكرة". 

وعلى ذلك يركز في العلاج نفسي القائم على إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين على استثارة وتنشيط الدماغ على استعادة ومعالجة الذكريات المؤلمة وربطها بشبكات الذاكرة الإيجابية positive memory networks؛ بما يفضي إلى الاستعادة الطبيعية والتكيفية لذكريات ويقلل في نفس من ضريبتها الانفعالية. 

وبالرغم من ذلك يثار السؤال كيف يمكن الجمع بين العلاج النفسي الموجه بإزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين، والعلاج النفسي الموجهة باليقظة العقلية في هذا السياق؟.

ففي العلاج النفسي الموجه بإزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين يتم معالجة الذكريات المخزنة المختلة وظيفيًا في القشرة المخية في صيغة "الذاكرة الدلالية أو ذاكرة المعنى semantic memory" ويساعد المعنى الدلالي الذي تسقطه على هذه الذكريات في تمكينك من ضبط الانفعالات المقترنة بهذه الذكريات، الأمر الذي يسمح لهذه الذكريات بالتدفق التلقائي الطبيعي في السرد الشخصي personal narrative. 

وتعمل صيغة العلاج النفسي الموجه بإزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين أيضًا على تخفيف الجهاز العصبي السمبتاوي الذاتي أو المستقل autonomic sympathetic nervous system المرتبط بالخبرات الصادمة؛ وبالتالي يقل التنشيط الفسيولوجي. 

ومن هنا يأتي دور "اليقظة العقلية"، في سنة 1972 ملء المعالجة النفسية المعروفة والمتحمسة لطريقة العلاج الموجه بإزالة الحساسية وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين د. لوريل يارنيل Dr. Laurel Parnell الشغف باليقظة العقلية mindfulness وكانت مهتمة على وجه التحديد بالمماثلة بين "ملاحظة عقلك في المعمل وفي نفس الوقت عزل الذات عنه للتمكن من اكتشاف أفكارك كماهي بدون تقييم أو حكم".

وعلى ذلك بدأت د. العين د. لوريل يارنيل Dr. Laurel Parnell باستخدام اليقظة العقلية في نفس وقت فنيات العلاج الموجه بإزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين بعد أن تلقت تدريبات مكثفة على اليقظة العقلية على روادها الأول جاك كورنفيلد Jack Kornfield وجوزيف جولدشتاين Joseph Goldstein. 

ويستخدم عديد من الرهبان التبتيين Tibetan monk ما يعرف بتكنيك "التصوير البصري visualization"، و "قوة التخيل المصور power of imagery" لتنمية ورعاية صفات معينة مثل: الشفقة compassion، القوة power، والحكمة wisdom. 

وتعد اليقظة العقلية كحالة دالة على امتلاء وعي الشخص بعطاء الحاضر ووقائعه وطبيعة الذات وما يدور داخلها هنا والآن جزءً من تدريبات اليوجا yoga training التي تؤكد على وعي الشخص ببدنه على مستوى عميق، فضلاً عن أنّ اليقظة العقلية تساعدنا على الخبرة بالمعلومات بدلاً من تقييمها والحكم عليها. 

وتأسيسًا على ذلك يلاحظ أن كل من العلاج النفسي الموجه بإزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العينين من جهة، واليقظة العقلية من جهة أخرى يتضمنان "التركز في اللحظة الحاضرة"، وهذا الأمر يساعد المرضى على إعادة صياغة الأحداث الصادمة traumatic events أو الاكتئاب depression كأحداث مؤقتة للعقل الواعي transitory events of the conscious mind. 

ويجدر الإشارة إلى أن هذين المدخلين الممتدين في العلاج النفسي صمما للتحرر من التأثيرات النفسية السلبية التالية للصدمات الحياة وخبراتها العصيبة وشدائدها بتحرير الشخص من الذكريات والأفكار والاعتقادات والتصورات السلبية، وبإيصاله إلى حالة التيقظ والانتباه الواعي state of hypervigilance بها وبذاته وبما يحيط به؛ وبالتالي معاجلة الذكريات والضغوط الصادمة بطريقة سوية وصحية.

ورغم ما تقدم يعد العلاج الموجه بالتعريض المطول PE، والعلاج المعرفي ـــ السلوكي CPT الخط الأمامي الأول في علاج الصدمة إذ أن غالبية البحوث أثبتت فعاليته في هذا المجدل وفقًا لما أورد كيلي وركمان Kelly Workman

وعادة ما تستخدم عدة فنيات في علاج ضحايا الصدمات النفسية تتمثل أهمها فيما تناولته كيلي نيكول وركمان Kelly Workman  على النحو التالي: 

  1. التعريض التخيلي Imaginal exposure:  وهو أحد تكتكيات فنية "التعريض" حيث يطلب من العميل تخيل الحدث الصادم ووصفه لفظيًا بصوت مسموع أمام المعالج  النفسي، ويستفاد من هذه التكنيك في التغلب على محاولات العميل تجنب الأفكار أو الذكريات المرتبطة بالحدث الصادم، وعلى ذلك يساعد هذا التكنيك في مواجهته. 

  2. التعريض الحي In vivo exposure: وهو أيضًا أحد تكتيات فنية "التعريض" ويحدث غالبًا خارج نطاق الجلسة العلاجية، أي في مواقف الحياة الفعلية، ويستهدف مساعدة العميل في الاقتراب التدريجي من مواقف الحياة يوم بيوم خاصة المواقف التي يحاول تجنبها بسبب اقترانها بالحدث الصادم. 

  3. الكتابة عن الحدث الصادم أو الخبرة الصادمة Written account: حيث يطلب من العميل كتابة وصفًا تفصيليًا عن الصدمة التي مر بها بكل ما يتعلق بها من ظروف وملابسات وأفكار ومشاعر وردود أفعال. 

  4. الجمل التقريرية للتأثير Impact statement: وهي فنية من فنيات العلاج القائم على المعالجة المعرفية Cognitive Processing Therapy حيث يطلب من العميل كتاب جمل تأثير تصف تصوراته واعتقاداته الخاصة بلماذا وقع له أو تعرض لهذا الحدث الصادم وما تأثيراته على حياته. 

  5. استراتيجيات إعادة البناء المعرفي "التأطير المعرفي" Cognitive restructuring strategies: حيث يتضمن العلاج المعرفي ـــ السلوكي، والعلاج الموجه بالمعالجة أو التفكر والتدبر والتجهيز المعرفي استراتيجيات إعادة البناء أو إعادة الصياغة المعرفية للحدث الصادم بكل تفاصيله وما ارتبط به من أفكار غير تكيفية توطئة لاستبدالها بأخرى تكيفية ووظيفية. 

العلاج النفسي للصدمات النفسية: فكرة أولية. (مقال: سانجاتا جوبتا). تعريب: محمد السعيد أبو حلاوة: أستاذ الصحة النفسية المشارك 

مقالات مشابهة

الاكتئاب النفسي

المجلّة العلميّة الثقافيّة

منذ 3 أسابيع
الاكتئاب النفسي

الاكتئاب النفسي   يعد الاكتئاب من أكثر الاضطرابات النفسية انتشاراً في العالم، وأشدها خطورة على الصحة سواء الجسمية...

التوافق النفسي

المجلّة العلميّة الثقافيّة

منذ 4 أسابيع
التوافق النفسي

التوافق النفسي   د. كريمة مختار - محاضر في جامعة UHA   تعريف التوافق النفسي    التوافق النفسي:...

الضغوط والمرونة الإيجابية.. كيف يمكن لبعض الأشخاص تجاوز الأوقات العصيبة بينما ينهار آخرون؟

المجلّة العلميّة الثقافيّة

منذ 4 أسابيع
الضغوط والمرونة الإيجابية.. كيف يمكن لبعض الأشخاص تجاوز الأوقات العصيبة بينما ينهار آخرون؟

الضغوط والمرونة الإيجابية.. كيف يمكن لبعض الأشخاص تجاوز الأوقات العصيبة بينما ينهار آخرون؟ يعيش الإنسان حالة دائمة من...

القيادة الملهمة

المجلّة العلميّة الثقافيّة

منذ شهر
القيادة الملهمة

  القيادة الملهمة ....... هل حقا بالقيم؟ لا يقتصر تأثير القادة الملهمون على قدرتهم على توجيه الآخرين نحو هدف مشترك...