الأرواح المجندة
منذ شهرين
بقلم : الدكتورة نصرة منصور
عندما تٌجند روحك مع الأخر فثمة تأمل عجيب يستدعي التحدث عنه. تطوف روحك بين البشر بحرية شديدة غير منتبهة في مسعاها وإذا بها تتعرف وترتبط فتتعلق وتُحب وتنادي بود إلى اختيارها. فسبحان من أمرها. والحديث هنا في رحلة هذا الشرح المختصر يأخذنا إلى تأمل أخر؛ وهو كأن في تعلق الأرواح بعضها ببعض هناك شفرة بين كل روحين فكل روح تعبر إلى الأخرى في انسجام تام واستسلام تام، وود تام، فكل واحدة تملك كلمة المرور إلى الأخرى لتتجند معها وترتبط بها، وتختارها وتُميزها. لذلك نُحب حتى إذا لم نملك المعلومات الكافية حول من نحبهم، وأحيانًا نُصدّق هذا الشعور فنقول على فلان "أحببته حقًا وارتحت إلى جواره أكثر رغم أننى لا أعرفه أكثر ولم أصادفه إلا مرة وليس أكثر". وهنا لا تصبح المدة الزمنية مقياسًا للمعرفة، لأن التعارف الذي حدث بين الروحين تجاوز حدود المسافة الزمنية التي كان من المفترض وجودها لاختبار القرب والارتباط الوجداني. فالشعور الخفي حول تعانق الروحين يمزجهما معًا ويجمعهما معًا، ويدمجهما معًا. فتظل كل روح مشغولة بالأخرى، وحريصة على الالتصاق بها، والتناغم معها. بل تأبى الانفصال عنها، ولا تقوى على السعادة بدونها. وإن غابت إحداهما سعت الأخرى للبحث عن نصفها الأخر حتى تكمله وتتممه فتصير روحًا واحدة. وكأن في رحلة الغياب الروحي ضياع لشخصيتك، وافتقاد إلى نفسك، فإن أردت معرفة ذاتك بحثت عن روحك المسافرة مع من تُحب. فالتركيبة الفريدة بين الروحين لها خصائص تميزهما، ويظل الإنسان يسأل عن سبب راحة قلبه بجوار فلان دون آخر، وحبه لشخص دون آخر فلا يصل إلى إجابة تروى ظمأه، وتُطفئ حيرته. فهذا التعانق المبهر يظل محيرًا، وبِناءً عليه تُصنف التفاعلات الاجتماعية. فهؤلاء ينتمون بعضهم إلى بعض، وتميل قلوبهم إلى بعض، وهؤلاء يبتعدون بعضهم عن بعض، ويختلفون بعضهم عن بعض. ويتنافرون بعضهم من بعض. ولأصحاب الحب الروحي قصة في تجنيد أرواحهم، فعندما تحب فلانًا فأنت هنا لا تملك الإرادة ولا الاختيار، فثمة شعور يتسلل إلى روحك ويطير بها ويحلق بها إلى أفاق واسعة، فتمتلأ نفسك براحة كبيرة وسعادة غامرة لا تستطيع وصف مداها، ولا شرحها ولا تفسيرها، وتظل معجبًا بهذا الشعور الذي يفصلك عن كل من حولك ويجعل روحك في تركيز تام مع من تُحب، وفي انتباه تام إلى من تُحب، وفي انشغال تام بمن تُحب. فإذا صادفت روحك روح من تُحب هدأت واستقرت وفرحت. ويتخللك الملل، وتمتلكك المعاناة إذا غابت عنك روح من تحب، وتصيبك الحيرة ويملأك الحزن إذا قست عليك روح من تُحب، وتدمع عيناك ويتألم فؤادك إذا أصابت روحك سهم محب. وتسافر المسافات، وتقطع الأميال سائلاً عن محب عرفته روحك، وتملأ أوراقك بجميل الكلمات وأحس التعبيرات واصفًا مشاعرك لروح قريبه سكنت روحك. وتعزف برفق علي سيمفونية الإحساس لأن روحك عشقت روحًا.