التوافق النفسي
منذ 4 أسابيع
بقلم : د. كريمة مختار
التوافق النفسي
د. كريمة مختار - محاضر في جامعة UHA
تعريف التوافق النفسي
التوافق النفسي: تلك العملية الديناميكية المستمرة التي يهدف لها الفرد إلى أن يغير من سلوكه،للوصول الى علاقة أكثر توافقا بينه وبين نفسه من جهة وبينه وبين البيئة من جهة أخرى، والبيئة هنا تمثل كل المؤثرات والإمكانيات للحصول على الاستقرار النفسي والبدني في معيشته، ولهذه البيئة ثلاثة جوانب: البيئة الطبيعية، والمادية والبيئة الاجتماعية، ثم الفرد ومكوناته، واستعداداته وميوله، وفكرته عن نفسه.
يعرف المعجم الشامل للمصطلحات السيكولوجية التوافق النفسي أنه تللك الحاله من العلاقة المتآلفة مع البيئة بحيث يكون الفرد قادرا على الوصول إلى درجة أكبر في إشباع حاجاته ومواجهه كافه متطلباته .
ويرى لازاروس أن الشخص المتوافق هو الذي يتسم بالإرتياح النفسي، الكفاية في العمل، التقبل الذاتي وتقبل الآخر. ويشير حامد زهران إلى أن التوافق النفسي يعني سعادة النفس والرضا عنها، واشباع الدوافع الداخليه الفطرية والدوافع الخارجية المكتسبة وبالتالي نحصل على سلام داخلي.
كما أن التوافق النفسي يشير إلى إلى تلك العمليات النفسية التي تساعد على التعامل مع المشكلات الحياتية والتغلب عليها، وتزويد الفرد بالقدرة على التحدي لمتطلبات الحياة بشكل عام، وهو بذلك يعني تطوير عادات جيدة وهذا يشمل توافق الفرد مع الحياة العملية.
ويخلط البعض بين مصطلح التوافق والتكييف فيمكننا أن نعرف مصطلح التوافق النفسي بأنه العمليات النفسية والتحرر من الضغوط والصراعات وانسجام البناء الدينامي للفرد ، بينما نقصد بالتكيف النفسي هو تلك السمة المعرفيه أو السلوكية التي تساعد الكائن الحي في بيئته.
ويندرج التكيف النفسي ضمن نطاق الآليات النفسية المتطورة، ومع ذلك، تشير تلك الآليات إلى مجموعة أقل تقييدًا. إذ تشمل التكيفات النفسية فقط السمات الوظيفية التي تزيد من تأقلم الكائن الحي، في حين يشير التوافق إلى أي آلية نفسية تطورت من خلال عمليات التطور.
ويربط كاتل بين التكيف والتوافق النفسي ؛ فالشخص الذي يسلك سلوكا يرضى عنه المجتمع ولكنه يتعارض مع ما يؤمن به هذا الشخص متكيف لكنه غير متوافق، في حين من توافقت سلوكياته مع معتقداته وما يؤمن به فهو شخص يتمتع بالتكييف والتوافق النفسي معا.
الفرق بين التكيف النفسي والتوافق النفسي
أشتق مصطلح التوافق من مصطلح التكيف، وذلك بعد ظهوره كمفهوم مستمد أساسا من علم البيولوجيا على نحو ما حددته نظرية النشوء والارتقاء (1859). ويشير هذا المفهوم عادة إلى أن الكائن الحي يحاول أن يوائم بين نفسه والعالم الطبيعي الذي يعيش فيه محاولة منه من أجل البقاء.
"وعندما حدد أوبرت Aubert مفهوم التكيف سنة (1860) كان يعني به ما يحدث لحدقة العين من تغير نتيجة لشدة الضوء الذي يقع عليها".
ثم أصبح هذا المفهوم يصف سلوك الإنسان كردود أفعال لعديد من المطالب والضغوط البيئية التي يعيش فيها، كالمناخ وغيره من عناصر البيئة الطبيعية، ففي شهور الصيف يحاول الإنسان أن يخفف من ملابسه كي يتلاءم مع الجو الحار، بينما في شهور الشتاء يحاول أن يتدثر في ملابس ثقيلة ليقي نفسه من البرد، وكذلك الحال بالنسبة للمسكن والطعام وغيرها.
ولما كان من الطبيعي أن ينصب اهتمام علم النفس على البقاء السيكلوجي، والاجتماعي للفرد أكثر مما ينصب على البقاء الطبيعي والبيولوجي؛ فقد استعار علم النفس المفهوم البيولوجي للتكيف واستخدم في المجال النفسي الاجتماعي تحت مصطلح التوافق.
والتوافق مصطلح مركب إلى حد كبير، لأنه يرتبط بالتصور النظري للطبيعة الإنسانية وبتعدد النظريات والأطر الثقافية المتباينة. وربما كان أحد أسباب غموض هذا المصطلح هو الخلط بين المفاهيم بين اللغات المختلفه.
ففي الإنجليزية نجد كلمات Conformity-Adjustment-Accommodation-Adaptation وفي العربية نجد كلمات: توافق، تكيف، تلاؤم، مسايرة، مجاراة، ويمكن أن نفرق بين المفاهيم السابقة اعتمادا على الآتي:
1- Accommodation وترجمتها العربية تلاؤم، وهو مصطلح اجتماعي يستخدم باعتباره عملية اجتماعية وظيفتها تقليل أو تجنب الصراع بين الجماعات.
2- Conformity وترجمتها العربية مسايرة وهو أيضا مصطلح اجتماعي يعني الامتثال للمعايير والتوقعات الشائعة في الجماعة.
3- Adaptation وترجمتها العربية تكيف، ويفضل أن يقتصر استخدام هذا المصطلح – كما قصد بذلك دارون- على اعتباره مصطلحا بيولوجيا يعني قدرة الكائن الحي على أن يعدل من نفسه أو يغير من بيئته إذا كان له أن يستمر في البقاء، بحيث يؤدي الفشل في هذا التعديل إلى انقراض الكائن أو اختفائه من الحياة.
4- Adjustment والترجمة العربية لهذا المصطلح هي "توافق" وهو المفهوم النفسي
و جدير بالذكر أنه وبالرغم من اختلاف آراء الباحثين حول مفهومي التوافق والتكيف إلا أنه يمكن ملاحظة أن هناك اتفاق على أنهما يعملان معا للوصول بالإنسان إلى مستوى أفضل من الصحة النفسية، لأنه يصعب على الفرد تحقيق التوافق النفسي أو الاجتماعي في ظل ظروف لا يستطيع معها التكيف، فالإنسان يتكيف بيولوجيا ويتوافق نفسيا واجتماعيا.
مظاهر التوافق النفسي
للتوافق النفسي العديد من المظاهر التي تصبح كمؤشر على أن الفرد يتمتع بدرجة من التوافق النفسي ولعل من أبرز تلك المظاهر:
• الفعالية: وهي تدل على ان الشخص المتوافق يصدر عنه سلوك أدائي فعال، محدد الهدف وموجه نحو حل المشاكل والضغوط، عن طريق المواجهة المباشرة لمصدر هذه المشاكل والضغوط.
• الكفاءة: ويقصد بها إن الشخص المتوافق يستخدم طاقاته بواقعية، مما يمكنه من تحديد المحاولات غير الفعالة والعقبات، التي لا يمكن تخطيها فيجتنبها ليضمن نواتج جهوده دون تبديلها.
• الملاءمة: إذ أن الفرد المتوافق غالبا ما يوائم بين أفكاره ومشاعره وسلوكياته، بحيث لا يصدر سلوكا يتناقض مع أساليب تفكيره، لأن إدراكاته تعكس واقعه، وكل استنتاجاته مستخلصة من معلومات مناسبة.
• المرونة: حيث أن الشخص السوي قادر على التكيف والتعديل، وفي فترات الأزمات والمواقف الضاغطة يستطيع البحث عن الوسائل الفعالة للخروج من هذا النوع من المواقف، بحيث يتميز بحثه هذا بالتجديد والتغيير.
• القدرة على تحقيق الافاده من الخبرات: إن الفرد المتوافق يعتبر المواقف التي يمر بها خبرات يستفيد منها في المواقف المستقبلية، فهو لا يجتاز الماضي بألم، بل يدرسه كخبرات وكتراكمات يستفيد منها في المستقبل.
• الفعالية الاجتماعية: ذلك أن الفرد المتوافق نفسيا أكثر مشاركة في التفاعل الاجتماعي، وتتسم علاقاته الاجتماعية بالصحة، ذلك أنه يبتعد في أسلوبه عن أنماط التعلق غير الصحية بالآخر، فهو يبعد عن الاتكالية المفرطة، أو النفور والانسحاب.
• الإطمئنان إلى الذات: حيث يتسم الشخص المتوافق بتقدير عالي لذاته، وإدراكه لقيمتها كما يتميز بالأمن والاطمئنان إلى الذات.
أشكال التوافق النفسي:
ولعل للتوافق النفسي العديد من الأشكال التى تظهر درجه توافق الفرد مع نفسه ،مع المجتمع،مع اصدقاء العمل،حتى مع الدراسه وأيضا مع الحبيب او شريك الحياه كما سنوضح فيما يلي :
1. التوافق الشخصي:
هو حالة التقبل الذاتي والتكيف الناتج عن تواصل المرء مع نفسه، بأن يشبع الشخص حاجاته الفطرية والمكتسبة الأساسية والثانوية دون حاجة لاعتماده على الآخرين في السماح له بالوصول لهذه النقطة من قبول الذات أو رفضها.
2-التوافق الاجتماعي:
وفيها يقوم الشخص بالاندماج مع مجموعات اجتماعية تشبهه لإرضاء هذه الرغبة الداخلية في قبول نفسه، سواء كانت مجموعات متشابهة في العقيدة أوالجنس أو العمل ، مع التقرب منهم وتكوين دوائر اجتماعية معهم تحقق له التوازن المطلوب أو الذي قد فقد بسبب رفض المجتمع له أو عدم توافقه مع جماعات أخرى.
3. التوافق العاطفي:
اختيار الشخص العاطفي بناء على التشابه لا الاختلاف، بمعنى أن يختار الشخص زوجة أو حبيبة له بميول فكرية أو بمستوى اجتماعي معين لتحقيق السلام النفسي مع هذه المكانة الفكرية والسياسية والاقتصادية.
4. التوافق المهني:
والذي يكون بإدراك الشخص مناسبته أو عدم مناسبته لمهنة ما، وهذا النوع من التوافق قد يكون نمطيا بمعنى اتجاه السيدات لأعمال معينة في حين يركز الرجال على مهن بعينها، وبالتالي يأتي هذا التوافق نابعا من تصور قدرة الشخص الجندرية على القيام بوظيفة .
5. التوافق الزواجي:
هو حالة وجدانية ، تشير إلى مدى تقبل العلاقة الزواجية ، ويعتبر محصلة للتفاعلات المتبادلة بين الزوجين في جوانب عدة منها: التعبير عن المشاعر الوجدانية للطرف الآخر ، واحترامه والثقة فيه ، وإبداء الحرص على استمرار العلاقة معه والتشابه معه في القيم والأفکار والعادات ،والاتفاق على أساليب تنشئة الأطفال، وأوجه إنفاق الميزانية، إضافة إلى الشعور بالإشباع الجنسي في العلاقة.
6 . التوافق الديني:
إن التوافق الديني انما يتحقق بالايمان الصادق ذلك أن الدين من حيث هو عقيدة وتنظيم للمعاملات بين الناس ذو أثر عميق في تكامل الشخصية واتزانها فهو يرضى حاجة الانسان إلى الأمن وذلك بإشعاره بأنه يستند الى قوة خارقة تتعدى حدود القدرة البشرية المحدودة فيزيد هذا من ثقته بنفسه ويمنحه القوة النفسيه في مواجهة الحياة ويكون له عزاء وسلوى حين تتأزم الأمور؛ فهو لهذا كله ضرورة نفسية وضرورة خلقية وضرورة اجتماعية .
7. التوافق الدراسي:
هو مدى تقبّل الطالب للمدرسة والأجواء الدراسية بكل ما تحفل به من عملية تعليمية وصداقات وأنشطة وعلاقة بالهيئة التدريسية والإدارية للمؤسسة التعليمية التي يلتحق بها.ويتحقق بالنجاح في الدراسة والتحصيل العالي، من خلال مناسبة المناهج مع ميول الطلاب واتجاهاتهم وأهدافهم المستقبليه.
ومما سبق يتضح اهميه التوافق النفسي للفرد حيث يتيح له تقبل الذات والإندماج المجتمعي ،كما أنه يفتح له الأفاق لإختيار مناسب لشريك الحياه ويساعده في إختيار مهنه مناسبه لميوله وقدراته ، يعمل التوافق أيضا على تقبل الطالب للدراسه وتحمل أعباءها بل وتحقيق النجاح والتحصيل العالي بها ولا نغفل الدور الهام للتوافق الديني إذ يحقق الرضى ويبث الشعور بالأمن و الطمأنينه.
ومن هنا كان لابد أن نتطرق إلى أهم الاسباب التى تؤدي إلى ضعف التوافق النفسي .
أسباب ضعف التوافق النفسي
هناك مجموعة من الأسباب التي تؤدي إلى ضعف التوافق النفسي ومنها:
1. مشكلات الطفولة:
الضغوط النفسيه التى يتعرض لها الطفل في مرحلة الطفولة سواء الناتجه عن مشاكل الوالدين أو مشكلات دراسيه كتعرض الطفل للتنمراو قسوه المعلمين في التعامل وعدم إشباع الإحتياجات النفسيه للطفل، يؤدي إلى عدم تحقيق التوافق النفسي فيما بعد.
2. ضعف المهارات الاجتماعية:
من أسباب قلة التوافق النفسي ضعف الأداء الأكاديمي في المدرسة أو الأداء في العمل الناتج عن قلة المهارات الاجتماعية لدى المرء، كذلك ضعف مهارات التواصل مع الاصدقاء مما قد يؤدي الى انسحابهم من حياه الفرد وبالتالي يؤدي إلى إعدام ثقة الشخص بنفسه وقلة توافقه معها ولومه لها.
3. الضغوط المتواصلة:
ضغوط الحياة المجهدة والمستمرة والمتتالية كإنهيار العلاقات الأسرية والمشاكل المالية ومشكلات العمل او ضغوطات تربيه الابناء وغيرهما من مسببات التفكير الزائد ولوم الذات ؛وبالتالي مزيد من قلة التوافق النفسي.
4. الإهانة المستمرة:
تعد سوء المعاملة من الوالدين ، شريك الحياه ، مقدمي الرعاية الصحية لكبار السن أو القائمين على رعايه الأطفال وكذلك الأهانه من المعلمين للطلاب أو التعرض للأهانه من الأقارب أو الأصدقاء قد تسبب للمرء تدني في رؤيه الذات وضعف التوافق مع النفس.
5. المرض والإعاقة:
كذلك من مسببات ضعف التوافق النفسي وانعدامه المشكلات الطبية المستمرة واستمرار الألم المزمن، الإصابه بالأمراض المزمنه أو الإعاقة الجسدية، كذلك التشوهات الجسديه أو الشعور بالإختلاف مع الأخريين كحالات النحافه المفرطه او السمنه الزائده.
6. المرض النفسي:
المرض العقلي أو النفسي كاضطرابات القلق أو الاكتئاب عوامل يمكن أن تؤدي إلى قلة التوافق النفسي خصوصا في انعدام الاعتراف بالمرض النفسي ورفض اللجوء للعلاج النفسي مما قد يؤدي الى الشعور المستمر بالضيق واللجوء للإنعزاليه أو الإدمان وبالتبعيه ضعف التوافق النفسي.
7. الصراع بين أدوار الذات:
ويتمثل في مجموعة من العوائق النفسية: ومنها الصراع النفسي الناشئ عن تناقض أو تضارب الأهداف، وعدم القدرة على الإختيار الجيد في الوقت المناسب، مثال أن يرغب الطالب في دراسة الطب أو الصيدلة هو لا يستطيع التفرقة والفصل بينهم، فيدخل في صراع نفسي و قد يتعذر عليه الالتحاق بأي منهما.
عوائق مادية واقتصادية: ومثال ذلك مشكله نقص المال وعدم توفير الإمكانيات تقف عائقا أمام الفرد لتحقيق اهدافه.
عوائق اجتماعية: من بينها العادات والتقاليد والقوانين الموجودة في المجتمع، فيسعى الفرد إلى إشباع حاجاته بطرق يقبلها المجتمع ولكنه أحيانا يواجه صعوبات تعوقه دون إشباع حاجاته بطرق شرعيه مقبوله ؛ فيبدأ من هنا الصراع النفسي والذى بدوره يضعف التوافق النفسي.
النظريات المفسرة للتوافق النفسي
اجتمع علماء النفس على تفسير التوافق النفسي على انه الخلو من الاضطرابات النفسيه والقدره على الانسجام مع النفس والأخريين ولكل نظريه منهجا في تفسير كيفيه حدوث التوافق النفسي .
1/ نظرية التحليل النفسي
يرى رواد هذه النظرية وعلى رأسـهم "سـيجموند فرويـد "أن عمليـة التوافـق لـدى الأفراد غالبـا مـا تكـون لا شعورية بحكم أن الأفراد لا يعون الأسباب الحقيقية لكثير من سلوكاتهم فالشخص المتوافق هو الشخص الـذي باسـتطاعته اتبـاع المتطلبـات الضـرورية بوسـائل مقبولة تتيح له التوافق النفسي ،والتوافق النفسي عند فرويد يعتمد على الأنا، فالأنا تجعل الفرد متوافقا أو غير متوافق حيث أن الأنا القويه تسيطر على الهو، أما الأنا الضعيفة فتضعف أمام الهو فتسيطر على الشخصية فتكون شهوانيه تحاول إشباع الغرائز دون النظر للواقع، مما يؤدي بصاحبها إلى الأنحراف، وتسيطر الأنا الأعلى فتجعل الشخصية متشددة بالواقع إلى درجة عدم التحلي بالمرونة، فتقوم بكبت الرغبات والغرائز الطبيعية أو الشعور بالذنب المبالغ فيه، فيؤدي ذلك إلى سوء التوافق.
2/ النظرية السلوكية
بينما يشير رواد النظريه السلوكيه الى أن التوافق النفسي هو عمليه مكتسبه عن طريق التعلم والخبرات التي يمر بها الفرد ،ولقد اشار كل من واطسون وسكنر الي أن عمليه التوافق الشخصي تتشكل بطريقه أليه من البيئه . كما أن واطسون وسكينر اعتقدا أن عمليه التوافق لا يمكن لها أن تنمو عن طريق الشعور ، بل تتشكل بطريقة آلية من خلال التكرار والمعززات، وأوضحا أن الفرد الذي لا يثاب على علاقته مع الأخريين قد يتجنب التعامل معهم، مما يتسبب في ظهور أشكال شاذة للسلوك .
3/ النظريه الانسانيه
ينظر رواد الاتجاه الأنساني إلى أن الإنسان كائن فعال يستطيع حل مشاكله وتحقيق التوافق لنفسه وأن سوء التوافق ينتج من شعور الفرد بعدم القدره وتكوين مفهوم سالبا عن الذات ويرى روجرز أن الشخص الفعال يتصف بالثقه والإنفتاح على الخبرات ولديه القدره على العيش والاستمتاع .
4/ النظريه المعرفيه
تعرف النظريه المعرفيه التشوهات المعرفية بأنها عبارة عن " أخطاء في معالجة المعلومات لدى الأفراد، مما يسبب لهم الشعور بالضيق ، وقد قام العالم "آرون بيك" 1967 من استخدام مصطلح التشوهات المعرفية لوصف الأنماط الخاطئة في المعالجة المعرفية؛ وهى تتمثل في الأفكار التي تؤدي إلى المشاعر، والسلوكيات السلبية والتي تظهر أثناء الضغط النفسي، و تؤدي بدورها إلى استنتاجات خاطئة في إدراك المواقف الواضحة مما يؤدي بالتالي الي التأثير في قدرة الفرد على التوافق النفسي.
أبعاد التوافق النفسي
• التوافق الشخصي (النفسي): ويتضمن السعادة مع النفس والرضا عنها وإشباع الدوافع والحاجات الداخلية الأولية والفطرية والثانوية ؛ حيث يقل الصراع الداخلي ويتضمن كذلك التوافق لمطالب النمو في مراحله المتتابعة .
• التوافق الإجتماعي: ويتضمن السعادة مع الآخرين والالتزام بأخلاقيات المجتمع ومسايرة المعايير الاجتماعية والإمتثال لقواعد الضبط الاجتماعي وتقبل التغير الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي السليم والعمل لخير الجماعة والسعادة الزوجية مما يؤدي إلى تحقيق الصحة الاجتماعية .
• التوافق المهني: ويضم الاختيار المناسب للمهنه والاستعداد علمياً وتدريبا ً لها والدخول فيها والإنجاز والكفاءة والإنتاج والشعور بالرضا والنجاح .
العوامل المؤثرة على التوافق النفسي
من أهم عوامل تحقيق التوافق توفر مطالب النمو النفسي السوي في جميع مراحله وبكافة مظاهره جسميا ً وعقليا ً وانفعاليا ً واجتماعيا ً ، ومطالب النمو هي الأشياء التي يتطلبها النمو النفسي للفرد والتي يجب أن يتعلمها حتى يصبح سعيدا ً وناجحا ً في حياته ، ويؤدي تحقيق مطالب النمو إلى سعادة الفرد ، في حين يؤدي عدم تحقيق مطالب النمو إلى شقاء الفرد وفشله وصعوبة تحقيق مطالب النمو الأخرى في نفس المرحلة والمراحل التالية .
أهم مطالب النمو خلال المراحل المتتابعة كالأتي:
1. النمو الجسماني : ويتمثل هذا في تحقيق الصحة الجسمية وتكوين عادات سليمة في الغذاء والنمو وتعلم المهارات الجسمية والضرورية للنمو السليم وحسن المظهر الجسماني العام .
2. النمو العقلي المعرفي : ينتج عن توظيف الإمكانات المادية إلى أقصى الحدود الممكنة ، وتحصيل أكبر قدر ممكن من المعرفة والثقافة العامة وعادات التفكير الواضحه ونمو اللغة وسلامة التعبير عن النفس وتنمية الابتكار .
3. النمو الاجتماعي : ويكون بتقبل الواقع وتكوين قيم سليمة والتقدم المستمر نحو السلوك الأكثر نضجا ً ، الاتصال والتفاعل السليم في حدود البيئة وتنمية المهارات الاجتماعية التي تحقق التوافق الاجتماعي وتحقيق النمو الأخلاقي والديني القويم .
4. النمو الانفعالي : الصحة النفسية بكافة الوسائل وإشباع الدوافع الجنسية والوالدية والميل إلى الاجتماع وتحقيق الدافع للتحصيل والنبوغ والتفوق وإشباع الحاجات مثل الحاجة إلى الأمن والانتماء والمكانة والتقدير والحب والمحبة والتوافق والمعرفة وتنمية القدرات والنجاح والدفاع عن النفس والضبط والتوجيه والحرية .
معايير التوافق النفسي:
لقد قام كل من "لازاروس وشافر" بتحديد مجموعة معايير للتوافق النفسي وهي:
الكفاية في العمل : إن قدرة الفرد على العمل والإنتاج وفق ما تسمح به قدرته ومهاراته تعتبر من أهم الدلائل على الصحة النفسية. فالفرد المزاول لعمله أو مهنته فنيا تتاح له الفرصة لإستقبال جميع قدراته ، وتحقيق أهدافه بما فيها تحقيق الرضا والسعادة من الناحية النفسية.
الراحة النفسية: ويقصد بها أن كل شخص يتمتع بالتوافق النفسي له القدرة على مواجهه العقبات والتوصل إلى حل المشكلات بطريقة تسعد بها النفس ويقر بيا المجتمع.
الشعور بالسعادة: إن الشخصية المتوافقة والسوية هي شخصية خالية من الصراعات والمشاكل فتسعى لتحقيق أهدافها وتنميه قدراتها.
القدرة على ضبط الذات وتحمل المسؤولية : الشخص السوي هو الذي يستطيع التحكم في رغباته، ويكون قادرا على إشباع بعض حاجاته وضبط ذاته . إضافة إلى إدراك عواقب سلوكه.
مدى استمتاع الفرد بالعلاقات الإجتماعيه : بمعنى قدرة الفرد على إنشاء علاقات اجتماعية متنوعه وناجحه .
اتخاذ أهداف واقعيه : إن الفرد المتمتع بالصحة النفسية هو الذي يرسم أمام نفسه أهداف ومستويات طموحه، يسعى للوصول إليها حتى ولو كانت صعبة المنال في بعض الأحيان ، فالتوافق ليس معناه تحقيق الكمال وإنما بذل الجهد والعمل بإستمرار من أجل تحقيق الاهداف.
أما العالم "ماسلو" فيرى بأن الشخص المتوافق نفسيا يتميز ببعض السمات عن الشخص الغير متوافق نفسيا والتي من بينها :
سمات الأفراد المتوافقين نفسيا:
تقبل الذات والآخرين وكل ما يحيط بالفرد.
التركيز على المشكلة والألمام بالمشاكل التي خارج نفسه.
الحاجة إلى العزلة والخلوة الذاتية واللجوء لها بكثرة.
استقلال الذات سواء عن الغير وثقافتهم أو عن البيئة.
علاقات شخصية متبادلة ومترابطة بين الفرد وغيره.
الشعور بالقوة والانتماء للآخرين والشعور بالمشاركة الوجدانية مع الآخرين.
الاسلام والتوافق النفسي
تتفق نظرة المذهب الإنساني إلى حد كبير مع نظرة الإسلام إلى توافق الإنسان مع نفسه ومجتمعه من حيث أن فيه خيرا وأنه قادر على اختيار افعاله ومسؤول عنها، فقد قرر الإسلام أن «كل مولود يولد على الفطرة» كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم، والإنسان حر يختار أفعاله بإرادته قال الله تعالى (قل الحقُ من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وهو مسؤول عن توافق نفسه قال تعالى (كل نفسٍ بما كسبت رهينه) .
المراجع
إبراهيم شوقى عبد الحميد(1991). "اتجاهات العاملين في الصناعة نحو التكنولوجيا الحديثة وعلاقتها بالتوافق المهني" رسالة دكتوراة، كلية الآداب جامعة القاهـرة.
إبراهيم شوقى عبد الحميد(1999). دراسة مقارنة للتوافق المهني بين العاملين الدارسين وغير الدارسين ببرنامج التثقيف العام، مجلة كلية الاداب، جامعة القاهرة، مجلد59، عدد 2، ص ص11-50.
بيداء كيلان محمود (2020) .التوافق النفسي ،المجله الدوليه للعلوم التربويه والنفسيه ، بغداد: م 42، ع 60.
حامد عبد السلام زهران، (1978 ) .الصحة النفسة والعلاج النفسي، القاهرة: عالم الكتب، ط2 .
حسين محمد الحسيني ومي محمد السيد (2020) .التوافق الزواجي وتأثيره على الابناء ، المنصورة :المجله العلميه لكليه التربيه للطفوله ع1
ندى حمزة عبد الله الشعري وأخرون (2023). التشوهات المعرفية وعلاقتها بالتوافق النفسي لدى طلبة الصف الثالث الثانوي بمدينة ذمار، اليمن : مجله جامعه البيضاء مجلد 5، ع4.
Bonanno, G. A. (2004). Loss, trauma, and resilience: A theory of inherent resilience. American Journal of Psychiatry, 161 (7), 1237-1245.
Fredrickson, B. L. (2001). The broaden-and-build theory of positive emotions. American Psychologist, 56 (3), 218-226.
Lazarus, R. S., & Folkman, S. (1984). Stress, appraisal, and coping. Springer
Masten, A. S., & Reed, M. J. (2010). Resilience in development: A commentary. Child Development Perspectives, 4 (2), 118-121.
Mettler, J. et al. (2023). Mindfulness – based programs and school adjustment. Journal of school psychology, (97) 43- 62